على مدخل الميدان الذي يحمل اسمه في جوهانسبرج ينتصب في شموخ تمثال عظيم لنيلسون مانديلا، تمثال هائل من البرونز ارتفاعه ستة أمتار ووزنه طنان ونصف الطن، أصبح رمزاً لروح التفاؤل الجديدة التي ترفرف على جنوب أفريقيا، ومركزاً لاحتفالات كأس العالم FIFA – وأيضاً لأوقات المواساة والتعازي.
وعند مدخل اثنين من مطاعم الميدان الكثيرة ماجت الحشود بألوانها وضوضائها في آخر تجمع كبير شهدته المدينة، في طقس كان متبعاً من اليوم الأول، ورغم أن الألوان قد تتغير كل يوم، فإن روح الوحدة والأخوة لا تتبدل. لقد كان الميدان يعرف رسمياً باسم "ميدان ساندتون" فيما سبق، ثم أصبح يحمل اسم بطل الأمة منذ عشر سنوات بعد أن قاد ماديبا محبوبته جنوب أفريقيا إلى عصر ديمقراطي جديد. وإن اختلاط هذه الثقافات المختلفة في هذا الجو الجميل الذي تسيطر عليه السعادة لهو مبعث فخر حقيقي له بلا أدنى شك.
ويقول المشجع الألماني ستيفان فينوس وقد أخذه حماس هذه الأجواء التي جاء من ميونيخ للإستمتاع بها بصحبة أخيه مايكل: "كان كأس العالم عندنا في ألمانيا منذ أربع سنوات وكان الأمر جنونياً. لقد جاء العالم بأسره إلى ألمانيا والآن ها هو العالم بأسره هنا."
كما قال فيرنر ليمان، وهو مشجع ألماني يعيش في أليكانتي الأسبانية: "يتمتع ميدان نيلسون مانديلا بشهرة كبيرة، فهو يظهر في كل الصحف وهو مكان يجب أن يزوره المرء. ولذلك جئت إلى هنا. ولكن عندما تقرأ عنه في الصحيفة لا يكون ذلك كافياً لتعرفه على حقيقته، يجب أن تراه بعينيك، يجب أن تشعر به. إنه مكان عظيم جداً."
كل الأمم هنا والكل سعداء – إنهم يقولون مرحباً، ويتبادلون الأعلام أو القمصان. إنه أمر رائع.
فيرنر ليمان
ومع بقاء عدة ساعات على موعد مباراة دور الستة عشر بين البرازيل وتشيلي بدا الميدان في أبهى حلله. وقد تكون عقارب الساعة تشير إلى أنه وقت الغداء، ولكن شعار البرازيليين دائماً هو أن الإحتفال يمكن أن يبدأ في أي وقت. وعلى وقع موسيقى أمريكا الجنوبية وتجاوبها مع الأغنية الرسمية لكأس العالم 2010 FIFA، قالت كارولين ديلامارك، البرازيلية التي تعيش في ميامي: "هذا هو المكان الذي يجتمع فيه الناس وهنا نقابل الكثير من الأشخاص ونكتسب الكثير من الأصدقاء. إنها أول بطولة كأس عالم أحضرها والجو مدهش فعلاً."
وسارع العازف نفسه، فابريسيو باريسوتو القادم من سانتا كاتارينا البرازيلية، للتعبير عن مشاعره، بعد أن وضع الأكورديون جانباً بالطبع: "الكل هنا. إنه مكان لطيف، والجو هنا عظيم. الجماهير التشيلية جديدة علينا، ولكن لا توجد مشكلة، إنه احتفال، هذا هو الشيء الجميل في كأس العالم – حيث يلتقي الأشخاص القادمون من مختلف البلدان. ونحن نغني معاً."
ويؤمن كريس روماريو، القادم من هراري عاصمة زيمبابوي، بأن ما يمثله مانديلا لا ينحصر داخل حدود جنوب أفريقيا فقط، حيث قال بعد أن تخلى عن آلته الموسيقية الوترية لكي ينفخ في الفوفوزيلا ويشجع غانا: "أعتقد أن نيلسون مانديلا هو أعظم رجل يعيش على الأرض. لقد ناضل من أجل بلده ولكي تنال أفريقيا شرف تنظيم كأس العالم، لذلك ترى مشجعي كرة القدم من كل أنحاء العالم يتجمعون في هذا المكان. إنه بمثابة عرفان بجميله".
وما أن وطئت أقدام سيسيليا برانتيس وماركو أوتوني – الأرجنتينيين القادمين من بوينوس أيرس – أرض جنوب أفريقيا حتى سارعا بالإنضمام إلى ما أصبح مركز تجمع لنشاط المشجعين، وتقول سيسيليا من موقعها المرتفع الذي تشاهد منه بسعادة ما يجري في الميدان: "لقد شاهدنا ذلك على شاشة التلفاز وكان رائعاً، ورغبنا في أن نكون هنا ونعيش الحدث بأنفسنا، إنها تجربة عظيمة. إن شعورنا الآن لا مثيل له. كل الأمم هنا والكل سعداء – إنهم يقولون مرحباً، ويتبادلون الأعلام أو القمصان. إنه أمر رائع."
ويضيف ماركو تحت ظل تمثال ماديبا: "إن جو الصداقة والأخوة هذا عظيم جداً. لا يرى المرء روح الأخوة هذه في وطنه. إنه أمر عظيم حقاً وأنا تقريباً مذهول. كما أن صورة مانديلا تضفي بعداً آخر على الجو العام. إنه شيء تقشعر له الأبدان."
ويعلن هشام الحر، اللبناني الذي يشجع الأرجنتين، مع عودة الأنغام البرازيلية الساحرة: "إنه واحد من الأماكن التي ينبغي أن يزورها الناس عندما يأتون إلى جوهانسبرج." وهو قول يوافق عليه بالتأكيد آلاف المشجعين الذين زاروا المكان واستمتعوا بأجوائه المبهرة.
