تجاوزت غانا كل التوقعات في ثاني بطولة كبرى تخوضها على التوالي، بعد كأس الأمم الأفريقية CAF التي حصلت فيها على المركز الثاني في مطلع العام الجاري، وأصبحت الآن على وشك كتابة صفحة جديدة خالدة في تاريخ كرة القدم الأفريقية. فالنجوم السوداء، التي تلعب في كأس العالم FIFA للمرة الثانية فقط بعد ألمانيا 2006، إذا فازت على أوروجواي في المباراة المقبلة ستكون أول فريق أفريقي يصل إلى المربع الذهبي للبطولة الكروية العالمية الكبرى.
وفي يناير/كانون الثاني، بلغ المنتخب الغاني المباراة النهائية للبطولة القارية رغم أن فريقهم كان مكوناً في معظمه من الشباب الفائزين في العام الماضي بكأس العالم تحت 20 سنة FIFA، نظراً للعدد الهائل من الإصابات التي ألمت باللاعبين الكبار الأساسيين. وبينما كان الكل يستعد لرحلة جنوب أفريقيا، عاد الكثيرون لاستبعاد الفريق الغاني من الصورة بعد إصابة نجمه الكبير لاعب خط الوسط مايكل إيسيان، ولكن المدرب ميلوفان رايفيتش نجح مرة أخرى في تشكيل قاعدة صلبة متماسكة تصعب هزيمتها وتجيد التحكم في الكرة بلا مبالغة أو تكلُّف، فنال المدرب إعجاب واستحسان الجميع لأساليبه الخططية وبنائه للفريق، وأثبت الغانيون أنهم أصحاب الإستراتيجية الأقوى والمستقبل الأزهى في قارتهم.
إذا نجحنا في حجز مكاننا بين الأربعة الكبار في كأس العالم، سنكون أول دولة أفريقية تحقق ذلك الإنجاز. هل يمكن أن يوجد دافع أكبر من ذلك؟
ميلوفان رايفيتش
المدرب المناسب للفريق المناسب
صرح كابتن غانا ستيفن أبياه في حديثه مع FIFA بأن الصربي رايفيتش، الذي تولى قيادة المنتخب عام 2008، كسب الفريق إلى صفه باستعداده الشخصي وعقليته، وقال في حقه "إن مدربنا ذكي في النواحي التكتيكية. دائماً يشاهد المباريات المسجلة للفرق المنافسة. لقد رأيت بعض المباريات التي كان خطأ واحد صغير فيها كافياً لدخول هدف في مرماك وخروجك من البطولة. لذلك فإنه لا يفتأ يخبرنا بأن علينا أن نحترس في الدفاع، وأننا إذا حصلنا على فرصة للهجوم، يكون علينا أن نهاجم. وهو أمر يبدو واضحاً في المباريات. أنت ترى أننا نسجل دائماً هدفاً واحداً – وينتهي الأمر!"
لقد شقت غانا طريقها إلى نهائي كأس الأمم الأفريقية CAF بثلاثة انتصارات متتالية بنفس النتيجة 1-0، وكان هدفا الفوز في مباراتي خروج المغلوب بتوقيع أسامواه جيان، الذي هز الشباك في جنوب أفريقيا ثلاث مرات أيضاً – كان من بينها هدفا الفوز على صربيا والولايات المتحدة. وقد صرح جيان بأن الفريق "تعلم أن يثق باختيارات المدرب البالغ من العمر 56 عاماً، الذي ساعد على إيجاد طاقة إيجابية فعالة في الفريق."
وقال جيان عن المدرب الذي لم يكن له اسم كبير مع الأندية أو خبرة مع المنتخبات "أعتقد أنه في بعض الأحيان يفعل شيئاً غريباً، لا تفهمه أنت كلاعب. ولكن عندما تذهب إلى المباراة، فإنه يحدث [كما قال]. إنه شديد الهدوء، وهو ليس في غاية الصرامة. نحن الأفارقة لا نحب المدربين الصارمين. فكرة القدم ليست قتالاً، إنها مجال يمتع فيه المرء نفسه ويحرص على أن يقدم فيه أفضل ما لديه. لذلك أعتقد أننا نجد أنفسنا مع هذا المدرب. لأنه جيد من الناحية التكتيكية وكل ما يفعله ينفع على أرض الملعب."
كما يثني أندريه أيو، ابن أسطورة غانا عبيدي بيليه وكابتن المنتخب الفائز بكأس العالم تحت 20 سنة FIFA، على بناء الفريق أيضاً: "أعتقد أن هذا هو واحد من أفضل القرارات التي اتخذها المدرب؛ هذا المزيج الذي يجمع بين اللاعبين الأكبر وأصغر اللاعبين سناً، فلدينا طاقة الصغار وخبرة الكبار."
مفاجأة أخرى لأوروجواي؟
في مباراة الولايات المتحدة، فاجأ رايفيتش الكثيرين بوضع واحد من أولئك اللاعبين تحت 20 سنة، وهو صامويل إنكوم، على الجهة اليمنى من وسط الملعب. فقد كان لاعب نادي بازل السويسري اكتشافاً جديداً في أنجولا مطلع هذا العام، ولكنه لم يكن قد لعب ولو لدقيقة واحدة في هذه البطولة قبل المعركة الطاحنة ضد الأمريكيين. وكانت سرعته وطاقته المتفجرة مصدر إزعاج دائم في الجبهة الأمريكية اليسرى الضعيفة، وساعد بفتح مساحات خالية لزملائه في خط الوسط في المباراة التي انتهت بفوزهم 2-1 بعد الوقت الإضافي. وفي ظل إيقاف أيو ووجود بعض المخاوف بشأن إصابات بعض اللاعبين الأساسيين، أصبح من المنتظر أن يخرج رايفيتش بمفاجأة أخرى في المباراة القادمة.
وقد قال المدرب الكتوم الذي يتميز بواقعيته وتفكيره العملي: "سوف نرى كيف نتعامل مع الأمر. لدينا 23 لاعباً ويمكنهم جميعاً اللعب. إنهم هنا لأنهم يستحقون أن يكونوا هنا. وكلهم لاعبون ممتازون...سوف نرى من يمكننا أن نضع في المباراة. سوف نضع لاعبين أصحاء بدلاً من المصابين. وهناك شيء واحد مؤكد، وهو أننا سنلعب بلاعبينا الأحد عشر ضد لاعبيهم الأحد عشر."
ورغم أن رايفيتش يبدو مثل فريقه كصورة معبرة عن الهدوء التام، فإنه لم يخف انفعاله باللحظة التي يعيشها، وإن كان ذلك بشيء من الهدوء أيضاً: "لقد أصبحنا جزءاً من التاريخ الآن، كلنا في غانا، لأن هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها غانا إلى هذا المستوى، وإذا نجحنا في حجز مكاننا بين الأربعة الكبار في كأس العالم، سنكون أول دولة أفريقية تحقق ذلك الإنجاز. هل يمكن أن يوجد دافع أكبر من ذلك؟ ولكن هذه منافسة أيضاً، وهي تعني الكثير بالطبع بالنسبة لغانا ولأفريقيا وللصورة التي نقدمها للعالم. ولكننا إذا وقعنا تحت ضغط وأثقلنا كاهلنا بكل ذلك، فلن يكون ذلك في صالحنا بالتأكيد."